Wednesday, April 18, 2007

ممر الأشواك .. ممر ذو اتجاه واحد

كانت الساعة الخامسة وثلاثُ دقائق فجرا استيقظتُ كالمعتاد لأذهب وأسقي الشجرة التي غرستها لها في الحديقة وأعاود النوم ولكن في تلك الليلة كنتُ أشعرُ بأن جسدي يرتجف ولا أستطيعُ أن أتنفس وبدلا من أن أذهبَ إلى الشجرة وأسقِها رأيتُني أهرولُ إلى المذياع وأديرهُ لا أدري لماذا؟! وكأن أحدا همس في أذني وقال لي (المذياع.. المذياع), وما إن أدرتهُ حتى سمعتُ صوتا جهوريا ذو صدا مخيف يقول (تنفس شعرها..تنفس شعرها) ويكررهُ, وكان هذا هو حال كل الموجات. ووجدتني أسرعُ إلى الباب وأرفسهُ وأركضُ في الطريق كالمجنون لا أدري إلى أين؟!, أريد فقط شعرها لا غير ولكن لا أدري أين أجده..وصرتُ أركضُ وأركضُ دون وجهةِ معينةِ وإذا بي أجدُ جدارا عظيما أحمرا تعلوهُ الزينة فأبتهج قلبي لأني ظننتهُ عرشها..عرشُ ملكةِ الحب, وما إن وردتهُ حتى استنفرتُ منهُ, ما هذا؟! ما هذه الرائحة؟! ..آه إنها رائحةُ الدم ..إنها رائحةُ دمي, نعم انه هو ,إني أعرفه إنه ذاك الذي أفشي إليه أسراري, أيقنتُ حينها أنهُ ذاك الجدار الذي بنَوهُ ليحولَ دوني ودونها وقد طلوهُ بدمي إمعانا في تعذيبي, وصرتُ أضربُ الجدارَ بكل ما أوتيتُ من قوة فلم يزل ذلك الجدار في مكانه ولكني قررت بعد ذلك أن أحاربه بحبي العظيم وبقلبي الذي حطموهُ حين وضعوا ذاك اللعين في مكانه فتفتتَ الجدار وكأنه جدارٌ ورقي مبلل ولكني صُعِقتُُ حين وجدتُ وراء ذلك الجدار أسلاكا شائكةً سميكة كانت تحدقُ بي كأنها تريد أن تلتهمني , لكني لم أبالي بأمرها فإن ذلك الجدار العظيم فَتّتَهُ بقلبي فكيف بأسلاكٍ من حديد, فقضمتُ الأسلاك بأسناني ولكني ارتعبتُ من شدة صلابتها فكانت لا تقارن بذالك العملاق اللعين ولم أدر لم؟!, وكانت هي حينذاك واقفةً خلف تلك الأسلاك صامتةً متصلبة وكأنها تمثالُ عذراءِ طاهرة , كنت أحسها متضايقةً من محاولاتي وخائفةً من أن أتمكنَ من عبور تلك الأسلاك ولكني كلما وجهتُ نظري تلقاءهاِ كانت ترسمُ على شفتيها ابتسامةً أشبهَ بابتسامةِ الورود مازادني اصرارا على عبور تلك الأسلاك. لكني بقيتُ حائرا لا أدري ماذا أفعلُ بتلك الأسلاك وعندما أدركتُ أني لا أقوى على تمزيقها التفتُ إلى الوراء وصرتُ أركضُ وأركضُ بحثا عن مدخلِ ثانٍ, وبعد برهة أيقنتُ أني لم أبرح مكاني وأني لا أزال أجاور تلك الأسلاك فأدركتُ أن القدرَ قد حبسني في ذلك المكان فلم يكن أمامي لأصلها إلا أن أنفذَ من خلال تلك الأسلاك , فاستجمعتٌ قواي وتذكرتُ شعرها الذي جئتُ من أجله فأقحمتُ جسدي بين تلك الأسلاك التي نالت ما كانت تصبو إليه والتهمت من جسدي ما التهمت, واقتربتُ منها ومددتُ يدي نحو شعرها ولكني كلما اقتربتُ منها كلما ازدادت بُعدا, تبعتها وواصلتِ المسير بخطا هادئةً ,حاولتُ أن أركض ولكن كأن شيئا ما يمنعني, كانت تسير وتلتفت نحوي بين الفينةِ والأخرى وتبتسم لي ابتسامتها المعهودة , ظننتُ أنها تأخذني إلى البلاد المتعرجة حيث الحبُ لا مفر منه, بقيتُ أتبعها حتى تراءَ لي من بعيد شجرةً طويلةً مخضرة وحين دنونا منها عرفتُ حينذاك أنها شجرةُ الفجر التي كنت قد غرستها لها, ولما اقتربت منها حنت غصنها لها لتتمكن من تسلقها وكأنها حمامةٌ بيضاءً مدت لها جناحها لتأخذها إلى عشِ الجمال, صرختُ بها لا.. لا.. أرجوك حبيبتي لا تمزقيني, لكنَ جمالَ الشجرةِ أصم مسامعها عن سماع صرختي, وكنتُ أعلمُ وكذلك هي أن لا مكان لكلينا هناكَ على الشجرة, فإما أن تختارني أنا وإما الشجرة, وحينها فقط أيقنتُ أني فقدتها وعرفتُ لِما كانت تلك الأسلاكُ الشائكةُ أقوى من ذلك الجدار العظيم, ذلك لأن الجدار كان من صنع القدر ,لكن الأسلاك كانت هي من وضعتها في طريقي لتبعدني عنها
وبعد أن ضاع حبي بين أغصان الشجر لم يكن أمام قلبي إلا أن يرتدي كفنه الأبيضَ الجميل وينزلَ بخشوع ويعانق التراب, وما كان لي إلا أن أصطحب أحزاني إلى سبيلٍ ليس لي سواه ألا وهو ممر الأشواك, ولما وردت ذلك المكان الموحش وبعد أن وطأت قدماي أرضه أحسستُ بأن ثمةَ شيٌ يناديني ولكني لم أتمكن من سماعه لأن صراخ الشياطين كانت رهيبة فوضعتُ أصابعي في أذناي وجعلتُني أسمع من روحي المعذبة نداء قلبي الذي يستصرخني أغثها..أغثها..أغثها
حينها فقط أيقنتُ أنها عرفت لِما منعتُها من تلك الشجرة وأدركتُ أنها عرفت أنهُ وقت زوال خصالها وأنَ الشجرةَ لا تمتلكُ جذورا وأنها مجردُ أغصانٍ وأوراقٍ جميلةٍ استهوتها لكن لا روح فيها, والتفتُ أنا إلى الوراء لأعودَ وآخذها بعد أن خذلَتها شجرتُها البائسة, ولكني تفاجأتُ بخرقةٍ باليةٍ مكتوبٌ عليها (ممر الأشواك ..ممر ذو اتجاه واحد). فهنيئا لكِ يا حبيبتي شجرتكِ الصامتة وهنيئا لي أحزاني.

No comments: